الجمعة، 1 يونيو 2012

تعليق على موضوع كتب عن الاستاذ ابراهيم الصلحي بجريدة الحقيقة


الاستاذ الكريم ياسر عركي

السلام عليكم ورحمة الله

في البدء اود ان اشكر لكم اهتمامكم بمبدعي هذه الامه وعظمائها وسعيكم للتوثيق لهم, فهذا اقل ما يستحقونه وهم الذين قدموا الكثير لهذا البلد واثروا الساحة الابداعيه بعطائهم واظهروا وجه السودان المشرق للعالم اجمع.
 قبل فترة قصيرة وانا اتصفح الانترنت, مر علي تعليق من الاستاذ الصلحي في صحيفة الايام حيث قال ( ان اخوه الاكبر عثمان رحمه الله كان كاتب قضائي ويصنع المراكيب وانا نفسي كنت صبي صرماتي مراكيب). اخذت ذلك حينها على انها احدى نكات الاستاذ صلحي فهو معروف بخفة ظله كما يقول الخواجات لديه sense of humor  ولكني تفاجأت صراحة بمقالكم اعلاه. واضح انكم اخذتم مسالة صرماتي مراكيب هذه بجدية اكثر من اللازم. فالرجل هو ابن الشيخ الجليل الصلحي عثمان عربي وهو من اكبر اساتذة معهد امدرمان العلمي, القسم العالي حينها, والاساس الذي قامت عليه جامعة امدرمان الاسلامية اليوم. وكان عضو هيئة الافتاء الشرعي وعضو هيئة علماء السودان وكان زملاءه يلقبونه بمالك الصغير لتفقهه في مذهب الامام مالك. اما الاستاذ ابراهيم الصلحي نفسه كان تلميذ بمدارس الاحفاد في ذلك الوقت خلال المرحلة التي كان يساعد فيها اخوه في صنع المراكيب وكان طالبا نابغه من بين اقرانه. اخبرني المرحوم بروفسر يوسف بابكر بدري ان الشيخ الصلحي كان يحضر ابنه ابراهيم بنفسه للمدرسه ويرجع ليأخذه آخر اليوم الدراسي ويمر على المدرسة كلما سنحت له الفرصة, فهو كان شديد الحرص على الاطمئنان على ابنه. وبعدها التحق بوادي سيدنا الثانوية وكان ايضاً من الطلاب المتميزين بها. اما اخوه الاستاذ عثمان الصلحي رحمه الله الذي اتى ذكره, كان موظف بالسلك القضائي و الكل يعلم كلمة موظف في ذلك الوقت ماذا كانت تعني فهو كان يسكن احياء الموظفين ويخرج هو وزملاءه يرتدون الذي الابيض ويحملون المضارب ليلعبوا كرة التنس . ولكن من عادة الشباب في ذلك الزمن ان يقوموا باعمال يدوية كل وما يهوى وبما انه ينتمي لعائلة تمتاز بالحس الفني استهوته فكرة التصميم والنواحي الجمالية في صناعة المراكيب التي كان يصنعها في اجازاته عندما يعود لاهله بامدرمان. وعلمت من اخوته انه كان ينفق دخله من وظيفته ومن بيع المراكيب على اسر فقيرة كثير. ظهرت تلك الأسر بعد وفاته فالاستاذ عثمان الصلحي رحمه الله كان رجل بر واحسان.
انا هنا لا انفي جدية صنع المراكيب على انها عيب فهي مهنة شريفة ولقمة حلال ولكن اقول ذلك احقاقا للحق فقط, فالمقال يظهر الصلحي كأنه صرماتي اصيل ومن اسرة تمتهن صناعة المراكيب هذا ليس صحيحا, فهو ينتمي لاسرة تمتهن العلم منذ قديم الزمان فجده القاضي عثمان اشهر قضاة السودان في فترة المهدية وكان الامام المهدي ينوي تعيينه قاضي للقضاة لولا وفاة الامام المهدي المبكرة بعد الثورة المهدية. ذلك بالرغم من ان أسرة القاضي عثمان كان لها إنتماء عميق و (خلافه للطريقة الختمية) فوالده القاضي عربي, الذي اختير رئيسا للقضاء في عهد المقدوم مسلم, هو نفسه الذي عقد قران السيد محمد عثمان الميرغني الكبير على السيدة رقية والدة السيد الحسن راجل كسلا. معظم ابناء القاضي عربي وأحفاده كانوا يمتهنون القضاء ومن اشهرهم قاضي القضاة فضيلة الشيخ حسن اليمني عثمان عربي.
 ذكرت بالمقال ان إبراهيم الصلحي يتكئ الآن على شرفات (فيلا)خاصة تطل على نهر التايمز في اكسفورد، ربما كان يرنو لحكمين قضائيين صدرا عن جده القاضي عثمان ترقدان على اضابير المتحف البريطاني للقوانين وبإسمه, كمرجع للاحكام النادرة.
كذلك هناك بعض المعلومات التي وردت بالمقال تحتاج للتصحيح الاستاذ ابراهيم الصلحي ليس له ابن يدعى محمد كما ان اخوه المهندس هو المستشار خليفة الصلحي مهندس الري المعروف (اسمه ليس قريب) وهو الذي اسس لكل مشاريع الري الكبيرة بالسودان مثل انشاء الخزانات وتقنيات الري بمشروع الجزيرة ووفر على السودان مبالغ طائلة كانت ستدفع للخبرة الاجنبية. اما اصل والده فهي قبيلة الهوارة الضكيراب الذين هاجروا الى السودان من صعيد مصر و يقال انهم اتوا اليها من المغرب العربي وليس لهم علاقة بمدينة بربر اطلاقاً. كذلك عزف اخوات الاستاذ صلحي للالات الموسيقية يجب ان يفهم على حقيقته فهو هواية تمارس داخل المنزل وسط الاهل لقضاء اوقات جميلة مع الاسرة وليس عزفا بالفرق الموسيقية وانا هنا اذكر ذلك ايضا احقاقاً للحق ولا اعيب على اي احد ان يعزف بفرقة موسيقية.
 مرة اخري اود ان اتقدم للاستاذ ياسر عركي بالشكر لتركه مساحة للتعليق على موضوعه واشكر صحيفة الحقيقة لسعيها الجاد ورحابة صدرها.

د. نبيلة موسى الباقر
ابنة السيدة الفضلى فاطمة الصلحي عثمان
الشقيقة الكبرى للاستاذ ابراهيم الصلحي

حقيقة المناطق المهمشة التي صدقها السودانيون


بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مقال كتبته ونشرته بجريدة الحياة: 17/2/2004

حقيقة المناطق المهمشة التي صدقها السودانيون

بقلم : د.نبيله موسى الباقر- كلية الطب البيطري -جامعة الخرطوم
حالي هو حال كل مواطني الشعب السوداني فعندما أسمع كلمة المناطق المهمشة ,فإنني تلقائيا أتذكر الولايات الجنوبية ودارفور وكسلا. لكن حدث ما جعلني أعيد التفكير في الأمر برمته.
بدأت القصة عندما كنت أدير أحد الامتحانات الشفهية لطلاب ماجستير الكيمياء الحيوية بكلية الطب البيطري جامعة الخرطوم.  لاحظت أن كل الطلاب وعددهم حوالي ال 17 طالب من أبناء مناطق النيل الشمالي فقمت بسؤالهم حتى أتأكد بنفسي فوجدت أنهم ينتمون الي قبائل الشايقية ، الجعليين، الرباطاب،  المحس، الدناقلة، لا يوجد علي الإطلاق أي طالب من قبائل الدينكا، الفور أو الهدندوه  فسألت كيف حدث هذا لماذا انحصرت هذه الدفعة 100% علي هذه القبائل دون سواها ؟؟؟.
أولا جامعة الخرطوم مفتوحة للجميع والقبول فيها لا يعتمد العنصر كشرط كذلك عدد المدارس الثانوية في الفاشر جوبا أو ملكال  كسلا  لا يمكن أن تكون أقل من المدارس بشندي مروي عطبره أو دنقلا لكن السؤال مازال مطروحا لماذا أحجم طلاب هذه المناطق عن التقدم لنيل درجة الماجستير في الكيمياء الحيوية ؟؟. ولكنني بنظرة سريعة لبقية التخصصات في  كلية الطب البيطري وجامعة الخرطوم بصفة عامة وجدت أن طلاب الدراسات العليا من المناطق التي يقال أنها مهمشة  قله أو يكادوا ينعدمون. حاولت أن أبحث في الأمر لأعرف ما هو السبب الحقيقي وراء ذلك. فوجدت أن الموضوع له جذور تاريخية وجغرافية ثم ما انعكس عليها من أوضاع اجتماعية واقتصادية .تاريخيا كلنا نعلم بأن أول من بدأ الهجرة من أهل السودان هم أبناء النيل الشمالي, "درسنا في مناهج الجغرافيا عن هجرة أهل الشمال الي مصر والي أنحاء السودان المختلفة" ,ذلك بالطبع بسبب الظروف الجغرافية القاسية للمنطقة فالنيل يشق أرض صحراوية وجبلية ويخصب ضفافه فقط. ما ترتب علي هذه الهجرة من أوضاع اجتماعية واقتصادية هو الإجابة علي التساؤل الأساسي لهذا المقال. ذلك أن الوافد لمنطقة غريبة عادة ما يكون ضمن أقلية وليس له وضع اجتماعي مميز عكس أبناء المنطقة الأصليين. هناك العديد من النكات والقصص الفكاهية في جميع هذه المناطق التي يسخر فيها أبناء قبائل المنطقة  من المهاجرين من الشمال. فأبناء الشمال الموجودون في غرب السودان يطلق عليهم اسم ناس البحر "الجلابة " الذين لا يسوون شيئا, في مقابل أبناء شيوخ القبائل والعشائر أصحاب المواشي عند البقارة أو أصحاب قطعان الإبل عند الأبالة. كذلك الحال في الجنوب فهم أيضا" المندوكورو" الذي لا يفهم شئنا ويمكن أن يخدع بسهولة. كذلك أبناء الشرق فهم يضمونهم الي كل من يأتي من الغرب سواء كان بعيدا أو قريب فهم كلهم "بلويت أو تكريب "وليس لهم قيمة اجتماعية كبيرة هناك.
  ماذا يفعل المهاجرون ليكونوا لأنفسهم وضع  اجتماعي مميز ؟؟ الإجابة بالطبع هي أن يتجهوا نحو جمع المال بالتجارة والي إرسال أبنائهم للتعليم. مع مرور الوقت أصبح التعليم من القيم المتوارثة لأبناء النيل الشمالي لذلك فهم في جميع أنحاء السودان: الأطباء المهندسين المحامون القضاة, ضابط الجيش, ضابط الشرطة ,الضابط الإداري
ناظر المدرسة الي أخره,,, كما انهم التجار الكبار أصحاب المال والثروة. بالمقابل ظل أبناء القبائل الرعوية أو المزارعين علي ما هم عليه لأن لديهم (القيمة الاجتماعية المميزة), و لم يكونوا في يوما من الأيام ومازالوا حتى الآن يحتاجون الي التعليم أو العمل في التجارة حتى يكتسبوها, فهم أبناء الشيخ أو أبناء العائلة في القبيلة, ويمكن للشاب منذ سن  السابعة عشرة أن يتزوج من أفضل بنات العشيرة ويكون أسرته فهو يمتلك العز والمواشي أو الأراضي الزراعية كما أن نسبة داخل عشيرته يؤهله لتولي مناصب هامة بها. اعتاد أبناء هذه القبائل الذهاب للمدارس في بداية الأمر ثم يبدءون في العزوف عنها شيئا فشيئا ,,ذلك أن الطالب الجامعي ذو الثالثة والعشرين من العمر يجد نظيره في القبيلة أبا لأبناء وبنات وربما زوجا لامرأتين أو أكثر وله وجبروت وسطوة.
 إذاً هذا هو السبب في أن أعدادهم في مصاف التعليم العالي تكون قليلة جدا أو منعدمة, وليس لأن أحدا همشهم أو همش مناطقهم. فهي مناطق غنية بثرواتها الطبيعية كما أن التنمية العمرانية في مدنهم الكبيرة هي أحسن حالا مقارنة بكثير من مدن النيل الشمالي ويمكن لأي شخص أن يأتي بكاميرا فيديو ويقوم بتصوير  جوبا, ملكال, الفاشر, الجنينة كسلا,  الأبيض, ويأخذ نفس الكاميرا ليصور مروي شندي عطبرة الدامر دنقلا. ويخبرنا ما هو الفرق بين المدن المهمشة والغير مهمشة؟؟. كذلك كلنا معتادين على أن نجد" حلة" للجعلين , حلة للمحس, حلة للدناقلة, حلة للرباطاب إلى آخره.. " في جميع مدن السودان , ولكننا لم نسمع بحلة الفور أو حلة الشلك أو حلة الهدندوه في غير مناطقهم الأصلية, هذا لأنهم يفضلون البقاء بها.
بعض الذين يتحدثون  عن المناطق المهمشة , يقصدون السلطة السياسية العليا للبلاد, وهذه أيضا حسب الرواية التاريخية لها, فقد بدأت عن طريق الحوار بين التنظيمات السياسية التي قامت بها الفئات المستنيرة والمتعلمة في ذلك الوقت مع المستعمر, وكانت بالطبع معظمها من أبناء النيل الشمالي. ولكن الحق يقال أن في الفترات التي تم فيها حكم السودان بواسطة الحكومات الحزبية  فان الفرص كانت أفضل لأبناء الجنوب والغرب والشرق ذلك بسبب الدوائر الانتخابية حيث التصويت كان يتأثر بالقبلية. لذلك تم تمثيلهم بصورة اكبر بكثير عما حدث في فترات الحكم العسكري.
 نخلص من كل هذا إلى أنه لا توجد مناطق مهمشة بالسودان وأنه علي أبناء السودان جميعا أن يتفهموا كل ذلك ويبدءوا بالإصلاح ,أولا أبناء النيل الشمالي عليهم البدء بتعمير مناطقهم وإنشاء المشاريع الاقتصادية الهامة التي يمكن أن تطور المنطقة خاصة أن بقية أهلهم هناك يعشون ضنك الحياة . وليس ببعيد عن الأذهان القصة التي تروى هذه الأيام عن مسئول من أبناء الجنوب ذهب ليري الدامر وكان يظنها جنة الله في أرضه وعندها فوجئ بأنها منطقة قاحلة وجرداء, قال أن سكانها أولى منا بالدخول الي الغابة والمطالبة بالمساواة معنا. كذلك علي أبناء المناطق التي كان يطلق عليها مهمشة  أن يبدوا كذلك بتطوير مناطقهم بالمشاريع الهامة وتنوير أهلهم بأهمية التعليم حتى يكتسبوا الخبرة والدراية لإدارة هذه المشاريع.
نتمنى لكل السودان الوطن الحبيب الي قلوبنا التطور الآمن المغمور بالسلام والصحة.