الجمعة، 1 يونيو 2012

حقيقة المناطق المهمشة التي صدقها السودانيون


بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مقال كتبته ونشرته بجريدة الحياة: 17/2/2004

حقيقة المناطق المهمشة التي صدقها السودانيون

بقلم : د.نبيله موسى الباقر- كلية الطب البيطري -جامعة الخرطوم
حالي هو حال كل مواطني الشعب السوداني فعندما أسمع كلمة المناطق المهمشة ,فإنني تلقائيا أتذكر الولايات الجنوبية ودارفور وكسلا. لكن حدث ما جعلني أعيد التفكير في الأمر برمته.
بدأت القصة عندما كنت أدير أحد الامتحانات الشفهية لطلاب ماجستير الكيمياء الحيوية بكلية الطب البيطري جامعة الخرطوم.  لاحظت أن كل الطلاب وعددهم حوالي ال 17 طالب من أبناء مناطق النيل الشمالي فقمت بسؤالهم حتى أتأكد بنفسي فوجدت أنهم ينتمون الي قبائل الشايقية ، الجعليين، الرباطاب،  المحس، الدناقلة، لا يوجد علي الإطلاق أي طالب من قبائل الدينكا، الفور أو الهدندوه  فسألت كيف حدث هذا لماذا انحصرت هذه الدفعة 100% علي هذه القبائل دون سواها ؟؟؟.
أولا جامعة الخرطوم مفتوحة للجميع والقبول فيها لا يعتمد العنصر كشرط كذلك عدد المدارس الثانوية في الفاشر جوبا أو ملكال  كسلا  لا يمكن أن تكون أقل من المدارس بشندي مروي عطبره أو دنقلا لكن السؤال مازال مطروحا لماذا أحجم طلاب هذه المناطق عن التقدم لنيل درجة الماجستير في الكيمياء الحيوية ؟؟. ولكنني بنظرة سريعة لبقية التخصصات في  كلية الطب البيطري وجامعة الخرطوم بصفة عامة وجدت أن طلاب الدراسات العليا من المناطق التي يقال أنها مهمشة  قله أو يكادوا ينعدمون. حاولت أن أبحث في الأمر لأعرف ما هو السبب الحقيقي وراء ذلك. فوجدت أن الموضوع له جذور تاريخية وجغرافية ثم ما انعكس عليها من أوضاع اجتماعية واقتصادية .تاريخيا كلنا نعلم بأن أول من بدأ الهجرة من أهل السودان هم أبناء النيل الشمالي, "درسنا في مناهج الجغرافيا عن هجرة أهل الشمال الي مصر والي أنحاء السودان المختلفة" ,ذلك بالطبع بسبب الظروف الجغرافية القاسية للمنطقة فالنيل يشق أرض صحراوية وجبلية ويخصب ضفافه فقط. ما ترتب علي هذه الهجرة من أوضاع اجتماعية واقتصادية هو الإجابة علي التساؤل الأساسي لهذا المقال. ذلك أن الوافد لمنطقة غريبة عادة ما يكون ضمن أقلية وليس له وضع اجتماعي مميز عكس أبناء المنطقة الأصليين. هناك العديد من النكات والقصص الفكاهية في جميع هذه المناطق التي يسخر فيها أبناء قبائل المنطقة  من المهاجرين من الشمال. فأبناء الشمال الموجودون في غرب السودان يطلق عليهم اسم ناس البحر "الجلابة " الذين لا يسوون شيئا, في مقابل أبناء شيوخ القبائل والعشائر أصحاب المواشي عند البقارة أو أصحاب قطعان الإبل عند الأبالة. كذلك الحال في الجنوب فهم أيضا" المندوكورو" الذي لا يفهم شئنا ويمكن أن يخدع بسهولة. كذلك أبناء الشرق فهم يضمونهم الي كل من يأتي من الغرب سواء كان بعيدا أو قريب فهم كلهم "بلويت أو تكريب "وليس لهم قيمة اجتماعية كبيرة هناك.
  ماذا يفعل المهاجرون ليكونوا لأنفسهم وضع  اجتماعي مميز ؟؟ الإجابة بالطبع هي أن يتجهوا نحو جمع المال بالتجارة والي إرسال أبنائهم للتعليم. مع مرور الوقت أصبح التعليم من القيم المتوارثة لأبناء النيل الشمالي لذلك فهم في جميع أنحاء السودان: الأطباء المهندسين المحامون القضاة, ضابط الجيش, ضابط الشرطة ,الضابط الإداري
ناظر المدرسة الي أخره,,, كما انهم التجار الكبار أصحاب المال والثروة. بالمقابل ظل أبناء القبائل الرعوية أو المزارعين علي ما هم عليه لأن لديهم (القيمة الاجتماعية المميزة), و لم يكونوا في يوما من الأيام ومازالوا حتى الآن يحتاجون الي التعليم أو العمل في التجارة حتى يكتسبوها, فهم أبناء الشيخ أو أبناء العائلة في القبيلة, ويمكن للشاب منذ سن  السابعة عشرة أن يتزوج من أفضل بنات العشيرة ويكون أسرته فهو يمتلك العز والمواشي أو الأراضي الزراعية كما أن نسبة داخل عشيرته يؤهله لتولي مناصب هامة بها. اعتاد أبناء هذه القبائل الذهاب للمدارس في بداية الأمر ثم يبدءون في العزوف عنها شيئا فشيئا ,,ذلك أن الطالب الجامعي ذو الثالثة والعشرين من العمر يجد نظيره في القبيلة أبا لأبناء وبنات وربما زوجا لامرأتين أو أكثر وله وجبروت وسطوة.
 إذاً هذا هو السبب في أن أعدادهم في مصاف التعليم العالي تكون قليلة جدا أو منعدمة, وليس لأن أحدا همشهم أو همش مناطقهم. فهي مناطق غنية بثرواتها الطبيعية كما أن التنمية العمرانية في مدنهم الكبيرة هي أحسن حالا مقارنة بكثير من مدن النيل الشمالي ويمكن لأي شخص أن يأتي بكاميرا فيديو ويقوم بتصوير  جوبا, ملكال, الفاشر, الجنينة كسلا,  الأبيض, ويأخذ نفس الكاميرا ليصور مروي شندي عطبرة الدامر دنقلا. ويخبرنا ما هو الفرق بين المدن المهمشة والغير مهمشة؟؟. كذلك كلنا معتادين على أن نجد" حلة" للجعلين , حلة للمحس, حلة للدناقلة, حلة للرباطاب إلى آخره.. " في جميع مدن السودان , ولكننا لم نسمع بحلة الفور أو حلة الشلك أو حلة الهدندوه في غير مناطقهم الأصلية, هذا لأنهم يفضلون البقاء بها.
بعض الذين يتحدثون  عن المناطق المهمشة , يقصدون السلطة السياسية العليا للبلاد, وهذه أيضا حسب الرواية التاريخية لها, فقد بدأت عن طريق الحوار بين التنظيمات السياسية التي قامت بها الفئات المستنيرة والمتعلمة في ذلك الوقت مع المستعمر, وكانت بالطبع معظمها من أبناء النيل الشمالي. ولكن الحق يقال أن في الفترات التي تم فيها حكم السودان بواسطة الحكومات الحزبية  فان الفرص كانت أفضل لأبناء الجنوب والغرب والشرق ذلك بسبب الدوائر الانتخابية حيث التصويت كان يتأثر بالقبلية. لذلك تم تمثيلهم بصورة اكبر بكثير عما حدث في فترات الحكم العسكري.
 نخلص من كل هذا إلى أنه لا توجد مناطق مهمشة بالسودان وأنه علي أبناء السودان جميعا أن يتفهموا كل ذلك ويبدءوا بالإصلاح ,أولا أبناء النيل الشمالي عليهم البدء بتعمير مناطقهم وإنشاء المشاريع الاقتصادية الهامة التي يمكن أن تطور المنطقة خاصة أن بقية أهلهم هناك يعشون ضنك الحياة . وليس ببعيد عن الأذهان القصة التي تروى هذه الأيام عن مسئول من أبناء الجنوب ذهب ليري الدامر وكان يظنها جنة الله في أرضه وعندها فوجئ بأنها منطقة قاحلة وجرداء, قال أن سكانها أولى منا بالدخول الي الغابة والمطالبة بالمساواة معنا. كذلك علي أبناء المناطق التي كان يطلق عليها مهمشة  أن يبدوا كذلك بتطوير مناطقهم بالمشاريع الهامة وتنوير أهلهم بأهمية التعليم حتى يكتسبوا الخبرة والدراية لإدارة هذه المشاريع.
نتمنى لكل السودان الوطن الحبيب الي قلوبنا التطور الآمن المغمور بالسلام والصحة.   

هناك تعليق واحد:

  1. SlotCity Casino Resort Las Vegas - MapYRO
    The slot city 밀양 출장샵 provides an excellent gaming experience and offers 충주 출장샵 more than 600 익산 출장마사지 different reel, video 용인 출장마사지 slot 수원 출장마사지 machines, table games, live poker,

    ردحذف