لماذا يكون المادي مادياً؟ سؤال دائماً يتبادر الى ذهني.هم لايؤمنون الا بشيء مادي محسوس يمكنهم قياسه والتعرف على ابعاده فيتأكدون من وجوده. نحن البشر بالفعل لا نمتلك الا ادوات قياس للأشياء المادية المحسوسة. حتى اشهر العلماء الذين نثق في ذكائهم لا يكتشفون الا ما يمكن قياسه بالأدوات المتاحة للقياس. لذا فهم لايمكنهم أن يقيسوا شيء (موجود) ولكن لا يخضع لقوانين القياس المتاحة. اقصي ما وص...ل إليه اينشتين هو قياس ماهو موجود ويمكن قياسه فعلاً. لكن اشياء مثل (الفكرة) بالرغم من أنها موجودة لا يستطيع احد أن يقيسها قبل تنفيذها. مثلا قياس الإبداع بقصر مشيد سهل ويمكن دراسة كل خواص البناء وتقنيات تصميمة وتعديد مزاياه كل هذا ممكن, لأننا نمتلك ادوات القياس والتقييم. ولكن لا يمكن إطلاقاً قياس اي شيء من هذا قبل تنفيذه, اي عندما كان القصرمجرد فكرة في دماغ المهندس بالرغم من أن الفكرة كانت مكتملة وموجودة, وكل ادوات القياس موجودة فعلاً, الفرق هو أنها لم تنفذ بعد, اي لم تتحول الى مادة يمكن أن تحس بها حواسنا الخمسة. إذاً" يجب أن نعترف اولاً أن مقدرتنا على القياس ضئيلة جداً وضعيفة ومحدودة, لا تتعدى ما تم تنفيذه فعلاً في صورة مادية, المعضلة هي في مقدرتنا على القياس. إذًا ما لا نستطيع قياسه لايمكننا انكاره, علينا أن نتواضع ونعترف بواقع محدودية مقدراتنا. (من صنع لنا عقولاً ) يرينا أحياناً مقدراته العالية جداُ, بامور تتحدى هذا العقل وتحليلاته وتتحرر من سيطرته دون تدخل منا, لكن لأننا لا نمتلك ادوات القياس ننكر هذا كله او نتجاهله. اقصد بذلك ما نراه في احلامنا او ما نسميه الحاسة السادسة او توارد الخواطر (التخاطر) ( يقال أن التخاطر كان لغة التواصل بين الناس في العصور القديمة قبل إكتشاف اللغات),, نحن قد نرى في احلامنا أحداث تجرى الآن بمكان آخر من العالم, او احداث لم تحدث بعد (مستقبلية) ويأتي يوم تحدث فيه كما هي وبكل تفاصيلها امامنا او قد يأتينا الخبر بحدوثها,, لا احد يعرف تفسير ذلك لأننا ببساطة لا نمتلك الأدوات اللازمة لمثل هذا القياس, البعض ينكرها تماماً, خاصة إن لم تقع له هو شخصياً, والبعض يتجاهلها عمداً حتى لا يفتح على نفسه باب تفكير في هذا الإتجاه وهذا جبن وخوف من التفكير المنطقي, حتى الذي يعترف بوجودها قد يعتبرها مجرد صدفة, (الشماعة التي نعلق عليها كل ما لم نستطيع تفسيره). وجود الله لا يمكننا قياسه بالأدوات التي نمتلكها ولكننا يمكن أن نعلم بوجوده بالدلالات المنطقية مثل (التصميم الذكيintelligent design ) كالفكرة نعلم بوجودها ولكن لا نستطيع قياسها او معرفة حدودها, كذلك يمكن ان نتعرف على الله بنزعة في دواخلنا للايمان (الحدس الصادق) هذه النزعة يصعب وصفها بالكلام ناهيك عن قياسها او تحديد ابعادها, وهي المعرفة القلبية بوجود الله,, الكثيرون يرتعبون ويخافون من فكرة الإيمان بسبب احساس قلبي ويصفونه بأنه وهم, ويفضلون الإعتقاد في المحسوس فقط وكأنهم يلوذون بحماية (ما يستطيعون التعبير عنه وقياسه), مثلهم مثل الذي يبني صنماً ويعبده, فهو يريد شيئاً محسوساً يمكن أن يلجأ اليه, وهذا ما طلبه الناس من محمد صلى الله عليه وسلم بقريش قالوا له نريد أن نرى الله,, هم يريدون أن يبقوا على إستخدام اقل مقدرات للمعرفة عند الإنسان وهي الحواس الخمس لا يريدون أن يرتقوا لمقدرات معرفية أعلى.,,الإنسان يمتلك مقدرات معرفية كثيرة تؤهله لأن يرتقي بنفسه ليصل أعلى درجات المعرفة, (احاسيس, مشاعر, حدس قوي, خيال مقدرة على التحليل والربط) وغيرها كثير مما نعلم ولا نعلم , مثلاً بالمدارس الكل يدرس مباديء الحروف واللغة والأرقام, لكن البعض يتوقف عند الدراسة العامة والبعض يواصل للجامعات للتخصص والبعض يواصل الى اعلى درجات الكشف العلمي، فيصير صاحب نظريات في العلوم مثل اينشتين اونيوتن او اعلى مراتب النص الأدبي فيصير شكسبير او في الموسيقى فيصير بيتهوفن او دافينشي بالرسم. لوحصرنا انفسنا في التفكير المادي نكون مثل الذي حصر نفسه في حواسه الخمس ولم يتجرأ على إستخدام ماهو ارقى, إما لعدم مقدرته أو لخوفه من عقله ومقدراته وإمكانياته. يمكن أن نرى بالعين المجردة اشياء عديدة ولكن عندما نستخدم المايكروسكوب اوالتليسكوب نرى أشياء أخرى تماماً,, كذلك عندما نستخدم احاسيسنا ونطلق العنان لخيالنا والحدس الصادق ونحررعقولنا لتعمل, ربما نرى ونستوعب مفاهيم مختلفة تماماً غير ما إعتدنا عليه, فكرة وجود الله ليست بسيطة بمعنى أنه لا يمكن قياسها بالمقاييس العادية لكنها متاحة للجميع (إذا احترمنا حدسنا الفطري ومانحس به), كما أن معرفة الله لها درجات, اقلها الإقتناع بوجوده, ثم التدرج في المعرفة كلما اجتهدنا وطورنا مقدراتنا المعرفية,وهذا ما يجتهد فيه المتصوفة, لذا هم يتحدثون دائماً بلغة لا يفهما عامة الناس فيتهمونهم بالشرك والزندقة والكذب, يعين على هذا المفهوم (إدعاء الدجالون للتصوف لينالوا قدرا ومكانة بين الناس) اقرب اسلوب لاسلوب تفكير الماديين هو تفكير المتطرفين الذين يعادون فكرة الصوفية فهم يلوذون بالمعني الحرفي للنصوص الدينية ولا يهتمون بالمقاصد وأي تفسير يعارض ما إعتادوا عليه يرفضونه بشدة تصل بهم درجة إنتهاج العنف ليحتموا خلفة رعباُ وخوفاً من حرية التفكير. مثل أن يلوذ المادي بحماية (ما يستطيع قياسه والتعبير عنه).
]د. نبيلة موسى الباقر
]د. نبيلة موسى الباقر
لنك صور تسليم مكتبة الشيخ الجليل محمد الصلحي عثمان لدار الوثائق السودانية